الإعلام والعلاقات العامة / النجف الأشرف
شارك مدير قسم العلاقات العامة والنشر في دائرة البحوث والدراسات بالوقف الشيعي الدكتور نوزاد صفر بخش في الندوة الفكرية التي نظمها مركز وطن لحوار الأديان والمذاهب بعنوان (الرسالة المحمدية عنوان التعايش السلمي المجتمعي) في محافظة النجف الأشرف بمشاركة نخبة من الباحثين في المراكز الدينية والأكاديمية .
وقدم الباحث الدكتور نوزاد صفر بخش خلال الندوة بحثاً بعنوان (التعايش السلمي المجتمعي في ضوء القرآن والسنة) تطرق فيه الى ان التعايش سنة ربانية ترافق الإنسان في كل زمان ومكان، وهي ضرورة لا مفر منها لكونها تمثل تفاعلاً وتواصلاً بين الفرد والآخر بمختلف توجهاته .
مبيناً خلال البحث, ان الدين الإسلامي قد أقر بحرية الإنسان في الإيمان وعدم الإكراه كما في قوله تعالى (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)، فالإسلام دين عالمي يتجه برسالته الى البشرية كلها، تلك الرسالة التي تأمر بالعدل وتنهى عن الظلم وترسي دعائم السلام في الارض، وتدعو الى التعايش الايجابي بين البشر جميعاً في جو من الإخاء والتسامح بين كل الناس بصرف النظر عن جنسهم أو لونهم أو معتقدهم، فالتعايش السلمي المجتمعي (هو قبول لتعايش والاندماج الاجتماعي مع الآخر بلحاظ اختلافه الديني أو المذهبي أو الفكري تحت جامع المشتركات الحياتية العامة مع احتفاظ كل فرد بخصوصياته لنفسه وعد فرضها بالقوة على الآخرين).
وتطرق الباحث في موضع آخر الى سيرة الرسول الأكرم محمد (صلى الله عليه واله وسلم) وما فيها من تطبيقات كثيرة في التعايش السلمي المجتمعي ومنها على سبيل المثال لا الحصر حين وصوله الى المدينة المنورة نقرأ تلك الصحيفة التي أبرمها (صلى الله عليه وآله وسلم) مع فئات المجتمع كله، حيث تعتبر هذه الصحيفة أول إقرار بالتعايش السلمي المجتمعي والمواطنة، وهي بمثابة دستور يجسد المبدأ الإسلامي العام الذي يفتح الأبواب أمام عقد ميثاق مع كل الفئات الاجتماعية وذلك على قاعدة المواطنة القائمة على العقد الاجتماعي في اطار العهد الذي يتحول من خلال التزام الشرعية الإسلامية به الى عهد اله وميثاقه، بما يعنيه من التزام بالأمر الإلهي في الوفاء بالعقود والعهود.
وأشار الباحث ايضاً الى أن في سيرة الأئمة الأطهار (عليهم السلام) نصوص واضحة وجلية ترسخ للتعايش السلمي والقبول بالآخر ، وعن ذلك ورد عن الإمام علي (عليه السلام) في وصف الناس: (فإنهما صنفان إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق)، فعند تأمل مفردات هذه المقولة المباركة للامام أمير المؤمنين (عليه السلام) والتي تتجلى فيها النزعة الإنسانية الخلاقة، والحكمة البالغة في هذه المقولة ، هي أن رابطة الاشتراك في الدين، لا تلغي رابطة الاشتراك في الخلق، ولم تأت رابطة الاشتراك في الدين لإلغاء رابطة الاشتراك في الخلق، وانما جاءت لكي تفتح وعي الإنسان على هذه الرابطة الإنسانية، وتجعل منها منظوراً له في رؤية العالم، وهذه الرؤية هي بخلاف الأفكار والتصورات التي تنبعث اليوم، وتصور أن الدين يحرض على القطيعة والانغلاق عن الآخر المختلف في العقيدة والدين، وبالتالي فان هذه المقولة للإمام علي (عليه السلام) ليست بمثابة التعريف للآخر، وانما جاءت لكي ترتفع بالنظرة الى الإنسان بعيداً عن مفهوم الآخر.
واختتم الدكتور نوزاد البحث بتقديم مجموعة من النقاط التي تؤكد على ان التعايش السلمي مبدأ من مبادئ الإسلام وهو قانون الهي يهدف الى صون الحياة البشرية وفق ضوابط تقوم على حق الاحترام والاعتراف بأحقية الآخر في العيش الكريم , وان التعايش السلمي يقوم على أركان ثلاثة وهي الإنسانية ومعنى ذلك ان يكون التعايش مع الآخر على قاعدة المشتركات الإنسانية، وقد جاء في كلام الإمام علي (عليه السلام): ( فانهما صنفان اما أخ لك في الدين او نظير لك في الدين أو نظير لك في الخلق), والتعددية بأنواعها وهي من المقتضيات الإنسانية الاجتماعية والفكرية والدينية وغيرها من الجوانب الحياتية , بالإضافة الى المواطنة الذي هو سلوك فعلي ظاهري وأداء اجتماعي وارتباط عملي وان الوطنية هي محصلة للمواطنة، فلا وطنية جيدة بدون مواطنة جيدة , وكذلك التأكيد على ان الإنسان هو جوهر عملية التعايش السلمي وان الله تعالى خصه بالاستخلاف في الأرض لإظهار قيمته الآدمية، فالتعايش في ظلال القران والسنة يسعى الى تحقيق الأهداف الكلية , وان الاختلاف الحاصل عند الناس فيما يتعلق بالعقائد التي يتبنونها والثقافات التي يتخذونها لا توجب الشحناء والتباغض بل توجب التعايش والتآلف .

